كثيرًا
ما كان الطبيب الثري يثور على أخيه الشاب الصغير مينا، فقد أعتاد أن يأتي
إلى عيادته بثياب رخيصة غير لائقة بكرامة أخيه. كان الطبيب يقدم لأخيه
ثيابًا ثمينة حتى لا يجد عذرًا، لكن مينا في بساطة يحمل هذه الهدايا إلى
الفقراء ويبقي ببدلته الوحيدة الرخيصة.
كان لهذا الشاب محبة خاصة وتقدير لدى البابا كيرلس الخامس، فقد قال
لتلميذه: "في أية لحظة يأتي مينا إلى دار البطريركية يدخل إلى حجرتي دون
استئذان، وإن كنت نائمًا تيقظني..."
من محبة هذا البابا لهذا الشاب كان يطلب من حين إلى آخر أن يذهب إلى بيته
ويأكل هناك، حيث كان الشاب يغسل قدمي البابا ويقوم بخدمته أثناء تناوله
الطعام. في إحدى المرات بعد أن انتهى من تناول الطعام وبدأ ينصرف عاد إلى
والدة الشاب ليقول لها: "ربنا معكِ، ويسندك".
فكرت السيدة في نفسها قائلة: "لم يمت لي أحد، لماذا يقول أبونا البطريرك
هكذا؟! ألعله يرى شيئًا خفيًا يحدث لنا؟!" وخجلت أن تسأله عن سبب قوله هذا.
بعد ثلاثة أيام إذ كان البابا في دار البطريركية قال للذين حوله: "أعدوا
الكنيسة لصلاة الجنازة... أنا ذاهب لأعزي أم مينا". وخرج البابا إلى بيت
الشاب ليجد والدة مينا تصرخ بمرارة. وإذ رأت أبانا البطريرك قالت له:
"لماذا لم تقل لي بصراحة إن مينا يموت!" أجاب أبونا البطريرك: "مينا أفضل
مني ومنك". وتعزت الأم إذ أدركت مرتبة ابنها في عينيْ اللَّه نفسه.
تكشف هذه القصة البسيطة عن معايير هذا الأب التي تتفق مع المعايير السماوية.
كان حازمًا مع بطرس باشا غالي والباشاوات ومع أسقف صنبو الذي قبل أن يدير
البطريركية بعد نفي البابا كيرلس الخامس... وإن كان وديعًا رغم حزمه
فبعودته أول عمل قدمه هو العفو الكامل عن كل المحرومين وترقية أسقف صنبو
الخائن مطرانًا... هذا الرجل الحازم مع أصحاب المراكز والسلاطين يحمل صداقة
روحية حميمة مع شاب طاهر ناسك تقي، ويكن له تقديرًا خاصًا. لا ينشغل
البابا بمجاملة أصحاب السلاطين لكنه يعتز بمن تهتز السماء بصلواتهم.
هب لي يا رب معايير السماء،
فلا أجامل ولا أداهن،
بل أحب الجميع .
أحب الإنسان الروحي التقي لألتقي معه في مجدك.
يسندني بصلواته ولو كان طفلاً صغيرًا أو شابًا.
وأترفق بأصحاب المراكز لأجل خلاصهم .
يتسع قلبي بالحب للجميع.