الزواج العرفي وبطلانهالكاتب: د. عوض شفيقلا نظن أحداً يرضى هذا الزواج لا لأخته، أو لابنته ولا حتى لابنه، لأنه خروج على الفطرة السليمة ، ومقاصد الاجتماع الإنساني، ومحادة للدين والأخلاق القويمة، بل هو مكر وخداع، ولعب بالشريعة، وتحليل للمحرمات، وانتهاك للمحرمات يأباه العقلاء
الزواج العرفي وبطلانه
الزواج العرفي كما عرفته مجلة البحوث الفقهية المعاصرة: "هو اصطلاح حديث يطلق على عقد الزواج غير الموثق بوثيقة رسمية، سواء أكان مكتوبة أو غير مكتوب". أنه لم يوثق، أي بدون وثيقة رسمية كانت أو عرفية".
ويعرفه البعض بأنه: "عقد مستكمل لشروطه الشرعية إلا في إظهار الإيجاب والقبول بينهما في مجلس واحد وبشهادة الشهود وبولي وبصداق معلوم بينهما ولكن في الغالب يتم بدون إعلان، وإجراء العقد بهذه الطريقة صحيح".
وآخرون يقولون عن العقد في هذا الزواج (يتم العقد- الإيجاب والقبول- بين الرجل والمرأة مباشرة مع حضور شاهدين ودونما حاجة إلى أن يجرى بحضور المأذون الشرعي أو من يمثل القاضي أو الجهات الدينية... والزواج المدني - أو العرفي- بهذا المعنى لا يتنافى والشريعة الإسلامية لأنه في الأصل عبارة عن إيجاب وقبول بين عاقدين بحضور شاهدين ولا تتوقف صحته شرعاً على حضور طرف ديني مسئول أو على توثيق العقد وتسجيله.أما السبب في تسمية هذا الزواج بالعرفي، يدل على أن هذا العقد اكتسب مسماه من كونه عرفاً اعتاد عليه أفراد المجتمع المسلم منذ عهد الرسول، وما بعد ذلك من مراحل متعاقبة. "فلم يكن المسلمون في يوم من الأيام يهتمون بتوثيق الزواج، ولم يكن ذلك يعني إليهم أي حرج، بل اطمأنت نفوسهم إليه. فصار عرفاً عُرف بالشرع وأقرهم عليه ولم يرده في أي وقت من الأوقات".
أما بالنسبة للتوثيق فإن ذلك لا يحدث خللاً في العقد، لأن الفقهاء جميعاً عندما عرفوا عقد الزواج لم يذكروا فيه التوثيق ولا الكتابة، حتى الفقهاء المحدثون والقضاة. فيقول القاضي الشرعي بمصر حامد عبد الحليم الشريف: "ولأن الزواج عقد رضائي، وليس من العقود الشكلية التي يستلزم لها التوثيق، فالتوثيق غير لازم، لشرعية الزواج أو صحته أو نفاذه أو لزومه. والقانون لم يشترط لصحة الزواج سوى الإشهاد، والإشهاد فقط ولم يستلزم التوثيق، ولا يشترطه إلا في حالة واحدة فقط وهي سماع دعوى الإنكار، أما في حالة الإقرار فلا يشترط التوثيق". وإن كان التوثيق مهماً جداً في هذه الأيام لضمان الحقوق، ولما شاع بين الناس من فساد الأخلاق وخراب الذمم.
بطلان عقد الزواج العرفي
إن الزواج العرفي بالعرض الموجز السابق لم يعد موجوداً الآن على حين يرى البعض أن الموقف في صدر الإسلام كان يُكتفى بشهود شاهدين فقط تناسوا الأمر الأكثر أهمية وهو أن الأمر في صدر الإسلام لم يكن ليحتاج إلى توثيق لقلة العدد وأن الزواج كان يتم بالمسجد ويعلم به الكافة ولم تحدث أية حاله إنكار نسب أو تهرب من مسئولية منزل أو زوجة أو نفقة أما التطبيق الحالي فلا تتوفر فيه أياً من هذه الشروط وعليه لا يجوز مطلقاً المقارنة بين ما كان يحدث في القدم والهرج الذي يعيشه الآن المجتمع.
فأمر بالولي والشهود والمهر والعقد، والإعلان، وشرع فيه الضرب بالدف والوليمة الموجبة لشهرته.
فلا زواج إلا بولي وليس للمرأة أن تنفرد بتزويج نفسها من دون رأي أهلها، وليس لولي المرأة أن يتولى إتمام العقد وإنجازه دون استشارتها، فالإسلام يتوسط في ذلك، فيحرص على المشاركة بين المرأة ووليها وأهلها، فللمرأة أن تعرب عن رغبتها ولا تكره على الزواج أبداً، وولي المرأة يتولى إبرام العقد وإتمامه بعد إذنها، وبذلك لا يستقل أي منهما بالعقد، فالمرأة لا تنفرد بتزويج نفسها دون أهلها، ولا وليها ينفرد بتزويجها دون رأيها، وليس في هذا حجر على حرية المرأة في الاختيار، ولكنه حرص على تحقيق الاطمئنان الكامل في الحياة الزوجية وضمان المشاركة والمصاهرة بين أسرتين بعلائق قوية ودية يشهدها ويباركها.
فالغرض من الإشهاد في الزواج هو الإشهار، فإذا اتفق من يريدان الزواج مع الشهود على كتمان أمر زواجهما يقضي ذلك على العقد بعدم الصحة، لأن كتمان الزواج قام مقام الشهادة، أو ألغي الهدف منها.
ولا نظن أحداً يرضى هذا الزواج لا لأخته، أو لابنته ولا حتى لابنه، لأنه خروج على الفطرة السليمة ، ومقاصد الاجتماع الإنساني، ومحادة للدين والأخلاق القويمة، بل هو مكر وخداع، ولعب بالشريعة، وتحليل للمحرمات، وانتهاك للمحرمات يأباه العقلاء.
وعند سؤال فضيلة شيخ الأزهر عن رأيه عما يحدث الآن من هوجة الزواج العرفي في غياب الأهل ودون علمهم؟ أجاب فضيلته.(هذا الزواج باطل طالما الولي "ولي المرأة غير موجود" وهذا الزواج باطل عند الإمام مالك وعند الإمام الشافعي وعند الإمام أحمد بن حنبل أما الإمام أبي حنيفة يجيزه في حالة واحدة، حيث يرى أنه يجوز للمرأة أن تزوج نفسها دون ولي بشرط أن تزوج نفسها من كفء لها. فإذا لم يكن كفءٌ لها فمن حق وليها أن يرفع الأمر إلى القضاء للفصل بين الزوجين وإلغاء هذا الزواج الباطل ويتأكد تطلب الكفاءة في الزواج من حديث الرسول (ألا لا يزوج النساء إلا الأولياء ولا يزوجن إلا من الأكفاء) واشتراط الكفاءة في الزواج يهدف منه الإسلام إلى إقامة الزواج على أسس قوية من التوافق والرضا.
وبما أن الأصل في الزواج الإشهار والإعلان، ومن ثم تبادل التهاني والتعارف بين أهل وأقارب الزوجين (بعض الفقهاء عدّوه شرطاً من شروط صحة عقد الزواج) وحيث أن الزواج العرفي يتم في سرية وكتمان يترتب عليه انقطاع أواصل المودة والتقارب بين أهل الزوجين، وبما أن الزواج لم يحقق شرط الكفاءة بينهم وبما أن هذا الزواج لم يتم بإرادة حرة مختارة بل شابه عيب من عيوب الرضا الإكراه والغش فإن هذا الزواج يقع باطلاً.
ولذلك على أولي أمر الفتاة الضحية وأهلها الضحايا من حقهم القيام برفع دعوى ببطلان عقد الزواج العرفي تأسيساً على ما ذكرناه سابقا، وأيضاً إعمالاً لاتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل العقود لعام 1962 وأيضاً استناداً إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 17 ديسمبر 1954 التي ذكرت "بأن تقع على الدولة مسئولية إلغاء الأعراف والشرائع والعادات القديمة المتعلقة بالزواج والتي تتنافى مع المبادئ المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق المرأة، وذلك بالعمل بصورة خاصة على تأمين الحرية التامة في اختيار الزواج... ومن ثم لا ينعقد الزواج قانوناً إلا بتوافر رضا الطرفين التام الحر وبإعرابها عنه شخصياً بعد تأمين العلانية وبحضور السلطة المختصة بعقد الزواج وبحضور الشهود".
منقول